العلاج بالتنويم المغناطيسي.. كيف نسكّن الألم بتغيير الأفكار؟

Admin
0

 العلاج بالتنويم المغناطيسي.. كيف نسكّن الألم بتغيير الأفكار؟

العلاج بالتنويم المغناطيسي.. كيف نسكّن الألم بتغيير الأفكار؟


التنويم المغناطيسي: طريقة للوصول إلى العقل الباطن وتحفيز الشفاء النفسي والجسدي

يُعد التنويم المغناطيسي تقنية علاجية متقدمة تستخدم لإيقاظ ظواهر مخفية داخل العقل الباطن، وذلك عن طريق توجيه الخيال نحو صور وأفكار معينة. هذه الحالة الذهنية الخاصة تتيح للمعالج نقل اقتراحات ورسائل مباشرة إلى العقل الباطن للمريض، مما يؤدي إلى تحسين حالته الصحية، سواءً جسدياً أو نفسياً. يعتمد التنويم المغناطيسي على تخطي الحاجز الفكري للعقل الواعي، مما يسمح للمعالج بالوصول إلى مستوى آخر من الوعي يصبح فيه المريض أكثر تقبلاً للتأثيرات الذهنية.

كيف يعمل التنويم المغناطيسي؟

يعمل التنويم المغناطيسي من خلال تجاوز التفكير المنطقي والنقدي والدخول في حالة ذهنية مريحة حيث تسيطر الصور الذهنية أكثر من الكلمات، وتصبح حاسة البصر الحاسة الأكثر فعالية. بمجرد أن يدخل المريض في هذه الحالة، يبدأ المعالج في توجيه اقتراحات معينة من خلال أفكار وصور تهدف إلى إحداث تأثيرات إيجابية. في اللحظة التي يغمض فيها المريض عينيه ويسترخي تماماً، ينشط الدماغ الجزء الأيمن منه، المسؤول عن المعالجة البصرية والتصويرية، مما يجعل المريض أكثر تقبلاً للتوجيهات الذهنية.

هذه العملية تجعل المريض أكثر انفتاحاً على التفكير في الصور بدلاً من النصوص أو الأفكار المباشرة، مما يسمح للعقل الباطن بقبول الرسائل الموجهة من المعالج والتي يمكن أن تُحدث تأثيراً عميقاً على صحته ونفسيته. خلال هذه الحالة، يتم تجاوز وعي المريض إلى مستوى ذهني أكثر تفاعلاً، حيث يعمل الدماغ بفعالية على التعامل مع الصور والأفكار بتلقائية أكبر.

التنويم المغناطيسي كوسيلة لعلاج الآلام المزمنة

أحد أهم استخدامات التنويم المغناطيسي في الطب النفسي والجسدي هو في معالجة الآلام المزمنة. يعمد المعالجون إلى استهداف شقين أساسيين لتقليل الشعور بالألم: الشق الحسي-الجسدي والشق العاطفي. في العلاج بالتنويم المغناطيسي، يقوم المعالج بتعليم المريض تقنيات معينة يمكنه ممارستها بمفرده في المستقبل للتغلب على الألم، حيث يمكن للمريض التفاعل بشكل أفضل مع جسده والسيطرة على الألم من خلال صور وأفكار يوجهها إلى نفسه.

بحسب الباحث شاؤول يوفان، الذي يُعد أحد كبار الخبراء في هذا المجال، فإن عملية التنويم المغناطيسي لعلاج الألم تتألف من أربع مراحل:

المرحلة الأولى: وصف الألم

خلال هذه المرحلة، يتم تشجيع المريض على الاسترخاء بشكل كامل، مما يسهم في تحقيق حالة من الهدوء العقلي والجسدي. يبدأ المعالج في تمرير أفكار توجيهية للمريض، يطلب منه خلالها وصف الألم بطرق كلامية وصورية ومجازية. يتم تشجيع المريض على تحديد كيفية إدراكه للألم من خلال أسئلة مثل: "ما مدى قرب الألم منك؟"، "هل الألم مظلم أم مضيء؟"، "ما حجم الألم؟" و"كم يزن؟".

يساعد هذا الوصف المجازي والكلامي على إعادة تشكيل فكرة الألم في ذهن المريض. فكلما عبر عن الألم بمفردات مختلفة، أصبح أكثر قدرة على تخفيف حدته بتغيير الأوصاف والتعابير المجازية، وتخيلها بألوان مهدئة بدلاً من الألوان الداكنة أو المزعجة. هذه المرحلة تتيح للمريض التحكم تدريجياً في استجابة جسمه للألم، حيث يمكنه ملاحظة انخفاض شدته مع تقدم العلاج.

المرحلة الثانية: تسكين الألم (Analgesia)

في هذه المرحلة، يهدف المعالج إلى تخدير موضع الألم عن طريق استخدام تشبيهاته وأفكاره لخلق شعور بالخدر في المنطقة المتألمة. قد يُطلب من المريض تخيل أن الألم عبارة عن حجر صلب وثقيل، أو قد يُطلب منه تخدير عضو آخر لا يشعر بالألم، كيده، ووضعه على موضع الألم، لينقل شعور الخدر من هذا العضو إلى المنطقة المصابة.

تُعد هذه الخطوة فعّالة في تعزيز قدرة المريض على السيطرة على الألم، حيث يتحول تركيزه من الألم إلى الشعور بالخدر أو الثقل. وقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يتقنون هذه التقنية يمكنهم تخفيف آلامهم بشكل ملحوظ وإطالة فترات الراحة الجسدية.

المرحلة الثالثة: تبديل تجربة الألم

خلال هذه المرحلة، يشرع المعالج في تبديل الشعور بالألم بتجربة أخرى تكون أقل إزعاجاً للمريض، مثل الشعور بالبرد أو الحرارة، وذلك بناءً على تفضيل المريض. يُطلب من المريض تخيل نفسه في موقف يستحضر الشعور البديل، مثل الشعور ببرودة الجليد أو دفء الشمس على جلده.

هذه التقنية تساعد على استبدال التركيز على الألم بشعور آخر، مما يخفف من حدته ويجعل التجربة أكثر راحة للمريض. وقد أثبتت هذه الطريقة فاعلية خاصة لدى الأشخاص الذين يتمتعون بخيال نشط وقادرين على الاندماج بسرعة مع الصور الذهنية التي يرسمونها في عقولهم.

المرحلة الرابعة: نقل موضع الألم

في المرحلة الأخيرة، يُطلب من المريض نقل موضع الألم إلى مكان آخر في الجسم يكون أكثر قدرة على تحمله، وفقاً لاختياره. على سبيل المثال، يمكن توجيه المريض لتخيل نقل الألم من بطنه إلى رجله اليسرى، عن طريق وضع يده على موضع الألم الأصلي وتخيّل انتقاله تدريجياً في أنحاء الجسم حتى يصل إلى الموضع الجديد الذي يكون فيه الألم أكثر احتمالاً.

تُعد هذه التقنية مدهشة في فعاليتها، حيث تسمح للمريض بإعادة توجيه استجابة جسمه وتخفيف الإحساس بالألم في المناطق الحساسة. ويمكن للمرضى الذين يتقنون هذه الطريقة تحسين نوعية حياتهم بشكل كبير، حيث يصبحون قادرين على التحكم في أماكن الألم وشدته.

دور التنويم المغناطيسي في حياة المريض اليومية

يتجاوز تأثير التنويم المغناطيسي حدود الجلسات العلاجية، حيث يكتسب المريض القدرة على التحكم في الألم والراحة النفسية بشكل مستقل. يساعد التنويم المغناطيسي على تحسين الاستجابة العاطفية للألم، وتخفيف القلق، وتعزيز الثقة بالنفس، كما يمكن استخدامه للتغلب على العادات السلبية مثل التدخين أو تناول الطعام بإفراط.

خلاصة

يُعد التنويم المغناطيسي أحد الأساليب الفعالة لدعم العلاج التقليدي وتعزيز التحسن النفسي والجسدي. من خلال تقنيات الاسترخاء، والوصف المجازي، والتخيل العميق، يتمكن المعالج من مساعدة المريض على تجاوز الألم المزمن وتحقيق راحة نفسية متزايدة.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)
Chat with us